يمكننا ان نتفق
على ان كل المظاهرات التي حدثت في السودان منذ 16 يونيو تهدف في المقام الأول لإقامة
دولة مدنية حديثة ، حيث نرى ان إسقاط نظام الإنقاذ
(الجبهة الإسلامية) هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف.
اذا
نظرنا إلى تركيبة منظومة الحكم في عهد الإنقاذ نجدها تختلف من كل الحكومات التي
تعاقبت على حكم السودان منذ الاستقلال ، حيث توجد دولتان، الدولة العلنية ( الدولة التي
يتعامل معها المواطن العادي و تمثل مؤسسات الدولة المتعارف عليها) ،
والدولة السرية (تمثل النظام الحاكم الفعلي للبلاد وتسيطر
على الأدوات الأمنية و الاقتصادية وهى الجهة التي تصدر و تصدق على القرارات
المتعلقة بمهام الدولة المختلفة و يمكن ان نلاحظ ذلك من خلال كثير من القرارات
التي أصدرها عمر البشير (رئيس الدولة العلنية) دون الرجوع إلى الدولة السرية لذلك لم
يتم تنفيذها و تم تجاهلها لأنها لم تتوافق مع منظومة الدولة السرية.) كما
يمكننا ان نصنف المنظومة الحاكمة إلى أربعة مجموعات، مجموعة تمثل الوجود العلني
للدولة السرية، مجموعة ثانية تمثل المنتفعين من النظام وهم مجموعة من الانتهازيين
الذين يقدمون مجموعة من الخدمات و التي تساعد النظام على الاستمرار و يحصلون على
مقابل لهذه الخدمات، مجموعة ثالثة تمثل الذين لا يحملون توجه محدد أو ما يطلق
عليهم التكنوقراط و مجموعة رابعة تمثل فئات من الأحزاب التي ترى ان العمل مع
النظام هو طريق من طرق التغيير السلمي للنظام الحاكم.
ماذا
نهدف من هذا التقسيم؟ تعمل أدوات التغيير الديمقراطي السلمي المختلفة ( مظاهرات،
اعتصام مدني، عزل اجتماعي، ...الخ) إلى تفكيك النظم الديكتاتورية ولا يتم هذا
التفكيك إلى من خلال فهم النظام الديكتاتوري الحاكم و من
خلال هذا التقسيم يمكن ان نحدد أي اداة من أدوات التغيير السلمي يمكن تطبيقها و على
أي مجموعة من هذه المجموعات، (مجموعة تعني عدد من الأحزاب أو الأفراد متشابهة طرق
التفكير و ليس بالضرورة متماثلة) حتى تحقق الثورة أهدافها.
اذا
أخذنا الجانب الاقتصادي على سبيل المثال، و طبقنا هذا التقسيم عليه، نجد ان هنالك
بعض الخبرات الاقتصادية التي تتعاون مع نظام الإنقاذ و تساعد بطريقة أو أخرى في
استمرارية هذا النظام وليس لها علاقة بالدولة السرية للإنقاذ، مما يسهل عملية
استقطاب هذه الخبرات إلى منظومة التغيير السلمي أو أقناعها بعدم التعاون مع النظام
( يمكن استخدام استراتيجية العزل الاجتماعي
أو أي استراتيجية أخرى مناسبة...).
طريق
النضال ضد النظام الديكتاتوري الحاكم في السودان لازال في بدايته و نرى انه في هذه
المرحلة و كجزء من الإستراتيجية الكلية للتغيير مطلوب التركيز على المجموعات
الموجودة ضمن النظام الحاكم و التي لا تنتمي إلى دولته السرية لاستقطابها إلى
الثورة أو في أسواء الأحوال تحييدها و لإضعاف الدولة العلنية و بالتالي
زيادة الرصيد الثوري و ظهور الدولة السرية علانا مما يسهل طرق مقاومتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق